U3F1ZWV6ZTgxOTkyNDEzMzBfQWN0aXZhdGlvbjkyODg2MDk0Nzg0

أفكار حول الغفران - بقلم د. ماهر صموئيل





جاءتهم مجروحةً تبكي وتشكي وجعها.......

الوجع في قلبي عميق للغاية...

قالوا لها:

- اغفري..

- لقد خدعني، واستغل حرماني وضعفي،

- اغفري..

- كيف يعود هكذا لنشاطه الديني، وكأن شيئا لم يحدث؟

- اغفري..

- أراه في وسط الجمع يعمل، ويضحك، بل ويعبد! بينما أواجه أنا الوحدة والذنب، والخزي والعار، وأعيش بمضادات الاكتئاب، وأحاول الانتحار!

- هذا لأنك لم تغفري..

- اغفري... اغفري... اغفري...!! اشرحوا لي من فضلكم ماذا تقصدون بالغفران، وكيف يمكنني أن أغفر؟

- أن تنسي ما حدث، وتتعاملي مع من أذنب وكأن شيئا لم يحدث، وعفا الله عما سلف.

- عجبي! أنسى! ...أتعامل معه! ... كأن شيئا لم يحدث! .... الله عفا!

تتكلمون هكذا ببساطة وكأن لي سلطان على ذاكرتي، أصدر لها أمري بأن تنسى، فتنسى! أو كأن لي سلطان على جرحي، أقول له ابرأ فيبرأ! ثم كيف عرفتم أن الله قد عفا؟ هل أخبركم بهذا؟ وإن كان قد فرّط في حقه، وعفا عمن داس وصيته، فماذا عن حقي أنا؟ هل تنازل الله عن حقي بالنيابة عني دون أن يسألني؟ كيف يكون هذا؟ إذا سرق شخصُ ما شيئا منك، فهل يحق لي أن أسامحه بالنيابة عنك؟ هل تستشعرون شيئا من المرارة التي في حلقي، واللهيب الذي يشتعل في نفسي، والخزي الذي يسحق روحي؟ لا، لا أستطيع أن أغفر...


- هذه خطية وعليك بالتوبة.

جاءتهم مجروحة فخرجت مذنبة!!

هذه القصة الافتراضية المؤلمة تكشف عن خطأين، الأول راعوي، والثاني لاهوتي. الخطأ الراعوي هو فشل القادة الروحيين في علاج كل من الضحية والجاني. فقد عجزوا عن الإحساس بألم الضحية، وفهم أبعاد مشكلتها، وبالتالي عجزوا عن تقديم مشورة روحية صحيحة لها، تساعدها في اختبار الشفاء الإلهي لها، قبل أن يطلبوا منها أن تغفر للمذنب إليها. كما أنهم أخطأوا في حق الجاني، إذ لم يُبدوا أي نية لاتخاذ موقف صحيح تجاهه، وهو له نشاط ديني في الكنيسة، لمواجهته بالخطأ الذي ارتكبه، واقتياده للتوبة الحقيقية، ليصحح موقفه مع من أذنب إليها بالاعتذار لها، وطلب المغفرة منها، وتقديم التعويض المناسب لها، قبل أن يطلبوا منها هي أن تغفر له. ناهيك عن أهمية ممارسة التأديب الكنسي معه، والذي غرضه مساعدة المخطئ على اتخاذ موقف صحيح من نحو نفسه، ومن نحو الله، ومن نحو الكنيسة التي يخدم فيها. أما الخطأ اللاهوتي، فهو خاص بطبيعة الغفران الأخوي، أي غفراننا بعضنا لبعض عندما يخطئ أحدنا في حق الأخر، وكيفية ممارسته.

وقبل أن أقدم سيناريو أخر لهذه الحالة الافتراضية، أتصور فيه كيف كان ينبغي أن يجري الحوار الراعوي بينهم وبينها، أرى أنه ربما يكون من النافع أن أطرح بعض الأفكار، التي أتصور أنها تساعد على فهم لاهوتي أفضل لطبيعة الغفران وكيفيته. أي أنني سأتناول الجانب اللاهوتي أولاً ثم الراعوي.


- هل ينفصل الغفران عن العدل والإنصاف؟


الغفران فضيلة عظمى هي إحدى فضائل الله وكمالاته، يسبحه ميخا النبي فيقول له:” من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب. “ميخا٧: ١٨. وكما أن الله ينعم علينا بغفرانه، فهو كذلك يأمرنا بأن نغفر للمذنبين إلينا. لكن كيف نوفق بين شعورنا بالظلم والقهر تجاه من أذنب إلينا، وهو شعور طبيعي ومشروع، وبين طاعتنا لوصية الله بأن نغفر لمن يذنب إلينا؟ هل يتعارض احتياجنا المشروع للعدل والإنصاف مع الغفران؟

بداية أقول إني قد لاحظت أن العهد الجديد يتكلم عن أربعة أنواع من الغفران، هي الغفران الإلهي والذي يقدمه الله للخاطئ حال توبته ورجوعه لله لو٥: ٢٠. والغفران الأبوي الذي يقدمه الله لأولاده الذين يعثرون ويسقطون ١يو١: ٩. والغفران الأخوي الذي يقدمه أولاد الله بعضهم لبعض عندما يخطئ أحدهم في حق الأخر لو١٧: ٣. والغفران الكنسي والذي تقدمه الكنيسة لعضو قد أخطأ ثم تاب توبة حقيقية يو٢٠: ٢٣& ٢كو٢: ٧. وعلى الرغم من اختلاف الموقف في الحالات الأربعة، من حيث كنه كل من المذنب والمذنب إليه، ومن حيث نتائج الغفران أو عدمه، تظل طبيعة الغفران كما هي تقوم على الحب والعدل معا، وليس المحبة وحدها.

ولذا أرى أن تصورنا بأن هناك تعارض بين وصية الرب لنا بأن نغفر، وبين شعورنا بالرغبة في إنصاف العدل لنا، هو تصور خاطئ ناتج عن فهم خاطئ لطبيعة الغفران، حيث يفهمه البعض على أنه فضيلة تُبنى فقط على المحبة، وليس لها أي علاقة بالعدل. لكنني أعتقد أن الغفران غير المؤسس على العدل، جنبا إلى جنب مع المحبة، ليس غفرانا بالمرة، بل هو قهر للضحية وبغضة للجاني. قهر للضحية لتكون نفسا غير سوية، تحاول أن تستشعر شعورا غير موجود، وتدعي فضيلة غير موجودة، وتنكر وجعا عميقا لم يزل موجودا. فتصير نفسا غير سوية، تعيش وهما، وتظهر عكس ما تبطن. ومن الجانب الأخر هو بغضة للجاني، لأنه يتركه في خطيته لتُهلكه، حيث لا يحاول المذنب إليه، أو الوسيط الذي يحاول المصالحة، أن يكلف نفسه بذل الجهد لاقتياد المخطئ للانكسار والإقرار بخطيته، وإقراره باستحقاقه لكل ما يقره العدل في حالته، وهو الأمر اللازم لخلاص نفسه من الخطية، وإنقاذه من نتائجها المدمرة. نعم، يقوم الغفران على المحبة، لكن المحبة التي تتجاهل العدل ليست محبة، بل هي خنوع وفوضى أخلاقية. ولو كانت المحبة بدون العدل تكفي للغفران، لما كان هناك احتياج لصليب المسيح.


على العكس من هذا هو ما نجده في الكتاب المقدس كله بعهديه، حيث لا انفصال البتة بين محبة الله التي تقدم الغفران للمخطئ التائب، وبين تأسيس هذا الغفران على العدل. هذا هو المعنى المستخلص من قصة الذبائح في العهد القديم. فالذبيحة تعلن أن الله المحب على استعداد بأن يغفر، لكن ليس بدون إيفاء العدل حقه، والذي كان سفك دم الذبيحة يعلنه. هذا ما جعل كاتب العبرانيين يقول:” وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة “عب ٩: ٢٢. كان مشهد وضع يد المخطئ على رأس الذبيحة البريئة، ثم سفك دمها، وإشعال النار فيها، لا٤: ٤-١٠ يوصل رسالة حسية للمخطئ، رسالة يدركها بحواسه الخمسة، اللمس والسمع والبصر والشم والتذوق، تقول للمخطئ، ولكل من حوله، أن الخطأ، مهما كان صغيرا في أعين الناس، مثل عدم الإخبار بحلف قد سمعه لا٥: ١، أو عدم مساعدة الجار في إنقاذ حماره الذي سقط تث٢٢: ٤، وغيرها. أو كان خطأً كبيرا مثل القتل، أو الزنا، أو السرقة، أو الشهادة الزور، أو اشتهاء الإنسان لامرأة قريبه، وغيرها خر ٢٠: ١٣-١٧، سيؤدي إلى فساد العلاقات ودمارها، وفساد العلاقات عند الله هو الموت بعينه. كان وضع يد المخطئ على رأس الذبيحة يعنى اعترافه وإقراره بخطيته، واستحقاقه للعقوبة التي يقرها العدل والتي ستتحملها الذبيحة نيابة عنه. كما كان رش دم ذبيحة خطيته في هيكل الله يقول للمخطئ، أن خطأك لا تنحصر أثاره فقط في نفسك، وفيمن أذنبت إليه، بل إنها تمتد لتؤثر على محضر الله نفسه! فالله القدوس لا يسكن وسط القذارة والدنس، وإن لم نتطهر من خطيتنا لن يسكن الله في وسطنا. كان على المذنب أن يدفع ثمن الذبيحة التي تقدم، ومع أنه ثمن زهيد وتكلفة قليلة، لكنه كان مجرد رمز يؤكد إقرار المخطئ بأن الخطأ له تكلفة، وأنه لا مفر من دفعها. كل هذا كان يجري، بعد أن يكون المذنب قد عوض المذنب إليه، فيما قد سلبه منه، ليؤكد الله للجميع أن غفران الله للمذنب لن يكون قط على حساب العدل.


في المسيحية انتهى الرمز إذ أعلن الله أن دم الذبائح لا يمكن أن يكفي لعلاج أثار خطايانا عب ١٠: ٤، ومات المسيح كالذبيحة الكاملة نيابة عنا. لكن انتهاء الرمز لا يعني قط إلغاء تلك الرسالة التي كان الرمز يوصلها. على العكس لقد صار صوت هذه الرسالة الأن أعلى وأقوى إذ يأتي إلينا، لا من مذبح في أورشليم، بل من صليب الجلجثة، حيث الذبيح الموضوع هناك، ليس هو حمل عادي، بل هو حمل الله، يسوع ابن الله. إن رسالة الصليب لم تزل تؤكد قائلة، نعم، إن محبة الله في صليب المسيح تقدم الغفران للمذنب، لكنها في نفس الوقت تعلن بصوت عالي ومدوي، إن هذا الغفران لم يكن قط بدون ثمن، لم يكن قط على حساب العدل، بل على العكس لقد عظم العدل وعلاه إذ جعله يأخذ مجراه. لهذا عندما يطلب بطرس من المسيحيين الحقيقيين أن يسلكوا بخوف الله، وبالقداسة، يؤسس طلبه على هذه الحقيقة، أن تكلفة فداءهم كانت كبيرة فيقول: “سيروا زمان غربتكم بخوف، عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى، بفضة أو بذهب،.. بل بدم كريم، كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح.” ١بط١: ١٧-١٩. ولهذا أيضا وبسبب عدم انفصال الغفران عن رهبة العدل ورعبه، يقول داود لله:” لأن عندك المغفرة لذلك يُخَاف منك“مزمور١٣٠: ٤


- ماهية العدل وحتمية الصليب من أجل الغفران.


ما هو العدل؟ العدل لغويا، هو التصحيح والتقويم للوصول لحالة الاستواء، يقال عدلته فاعتدل. أي هو إرجاع الأمور إلى وضعها الصحيح، هذا يحتم الإنصاف والعقاب. إنصاف الضحية وعقاب الجاني.

لكنني أتساءل كيف يمكن للعدل البشرى أن يصحح الأوضاع في هذا العالم الساقط؟ ماذا يستطيع أن يفعل إزاء أشياء خسرتها الضحية، ولا يكفي أي تعويض بشري حيالها، بل ولا يمكن أن تُعَوض، تخيل امرأة قد تم اغتصابها، أو أبوين قُتل ابنهما بسبب سائق سيارة مسطول، أي تعويض في تلك الحالات يصلح؟ وأتساءل أيضا من جهة خطايا، يشعر الضمير البشري إزاءها، حال استيقاظه من سباته، بأنه لا توجد أي عقوبة مهما غلظت تكفيها؟ أتذكر محاكمة إيخمان وكيف عانى كل من شهد محاكمته من الاكتئاب، بسبب هول ما سمعوا، وكيف صار اكتئابهم أعمق، عندما كانت النهاية هي مجرد حكم بالإعدام عليه، على الرغم من كون هذا هو أقسى ما يمكن للعدل البشري أن يواجه به الشر. ما أريد أن أقوله هو أن الخسارة في الحالة الأولى أعظم من أن تعوض، والخطية في الحالة الثانية أكبر من أي عقاب. فماذا يفعل العدل البشري في هذه الحالة؟ هل تظل الضحية تطوي جناحها على جراحها وتتلوى بقية عمرها على نيران الجرح الذي لا يبرأ. وهل يظل الجاني الذي استيقظ ضميره، واستبصر من جهة هول خطيته، يعيش بقية عمره يتلوى على وخز ضمير لا يهدأ. هذه المشكلة الإنسانية بكل أبعادها الأخلاقية، والنفسية، والفلسفية، تصير أعقد إذا أدركنا أن عجز العدل البشري، لا يظهر فقط أمام الخطايا الكبرى بل أمام كل الخطايا. هذا ما جعل إيمانويل كانط يقرر أنه لابد أن يكون هناك عالم أخر، ولابد أن تكون هناك حياة بعد الموت في ذلك العالم ليتم فيها الإنصاف، ولابد من وجود قاض عادل كلي القدرة والعلم والصلاح في ذلك العالم الأخر، قادر على إجراء العدل. هذا لأنه من الواضح في عالمنا آن المظلومين يموتون دون إنصاف، ويموت الظالمون دون عقاب.


هنا تبرز قيمة القصة المسيحية، إذ تعجز وتصمت العدالة البشرية، تنجز وتتكلم العدالة الإلهية، وقد تكلمت بأروع بيان في صليب المسيح. ففي الصليب قدم الله نفسَه، في شخص المسيح المصلوب، علاجًا لكل من الضحية والجاني. ولكي نرى هذا نحتاج في البداية أن ندرك أن صليب المسيح، من وجهة النظر المسيحية، ليس مجرد حدث تاريخي، قد حدث منذ قرابة ألفي عام، فعلى الرغم من كونه فعلا قد حدث في نقطة محددة في الزمان والمكان، إلا أنه عمل لم يزل قائما بل وسيظل قائما إلى الأبد، مقدم للإيمان طازجا وساخنا، في كل زمان ومكان. فالحمل إلى اليوم قائم في العرش وكأنه مذبوح رؤ٥: ٦. وبولس عندما بشر في غلاطية لم تكن بشارته بأنه قد أخبر عن المسيح الذي صلب، بل رسم أمام العيون المسيح المصلوب! يقول: أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوبا غل٣: ١. وعندما علَّم عن محتوى الكرازة التي يتحتم علينا كمسيحيين أن نكرز بها، لم يقل إننا نكرز بالمسيح الذي صُلب، بل بالمسيح مصلوبا ١كو١: ٢٣. ويؤكد على هذا في الأصحاح الثاني من نفس الرسالة فيقول: لأني لم أعزم أن أعرف شيئا بينكم إلا يسوع وإياه مصلوبا، ١كو٢: ٢. هذا يعني أن الإنجيل الحقيقي، يدعو كل من الضحية والجاني للإيمان بالمسيح المصلوب، أي للتوحد معه. وإذ يتوحد المسيح مع الضحية التي تقبله بالإيمان، يأخذ عنها كل وجعها ووحدتها وخزيها وعارها. وتراه وهو يموت بكل هذه الأوجاع، وتموت هي معه، ثم يهبها بقيامته شفاءًا وتصحيحا إلهيا، لا يقوى العدل البشري، مهما عظم، على أن يمنحه أو يجريه. فتخرج مشفييه مختبرة قول الرسول بطرس عن المسيح، “الذي بجلدته شفيتم” ١بط٢: ٢٤، وتسبح مع إشعياء قائلة: أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها…. تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا، إش٥٣: ٥. وتعيش بعد هذا تسلك فيما يسميه بولس جدة الحياة، أي الحياة الجديدة رو٦: ٤. هذا الشفاء الذي يجريه المسيح في الضحية هو شفاء الكيان الإنساني، وإرجاعه لحالة أكثر إنسانية من حالته قبل التعرض للظلم والخسارة. قد لا يُرجع إليه ذات الشيء الذي فقده، لكن يُرجع إليه ما هو أعظم، يرجع إليه إنسانيته. وعندئذ تدرك الضحية أنها نالت التعويض الكافي إذ عادت إليها إنسانيتها. هذا لأن القيمة الحقيقية للأشياء التي يخسرها الضحايا، معنوية كانت أم مادية، هي أن تسهم في تحقيق إنسانية الإنسان. ولكن أحيانا، للأسف، في ظل فرحة الإنسان بامتلاك الأشياء، يتشيأ هو ويفقد إنسانيته. وأحيانا أخرى تجد شخصا يفقد إنسانيته بسبب تمركزه حول ذاته دون أن يتعرض لظلم يسلبه أي شيء. لكن، في كل الحالات، بالتوحد مع المسيح المصلوب يعود المسلوب، ويعود إنسانا. تخيل المرأة التي تم اغتصابها، إن ما خسرته هو انتهاك كرامتها، والأبوين اللذين فقدا ابنهما إن ما انتهك هو أبوتهما. في كلتا الحالتين لا يعيد الصليب الجسد لحالة ما قبل الاغتصاب، أو الأبن الذي مات، لكن يستعيد لكل منهم ما هو أهم، يستعيد الإنسان نفسه ليكون ما ينبغي أن يكون سواء، بالكرامة أو بالأبوة.



لكن ماذا عن الجاني؟ قبل أن أوضح كيف كان علاج الجاني في صليب المسيح، أحتاج إلى التأكيد على أن من الأمور الأساسية التي تجعل الإنسان إنسانا، هو شعوره بالمسئولية الأخلاقية. وبالتالي فمحاسبة الإنسان على تصرفاته الأخلاقية، تعني في المقام الأول احترامه كإنسان، هذا سواء كانت هذه المحاسبة من الله، أو من البشر، أو من الإنسان لنفسه. وكلما كان الإنسان ناجحا في مسئوليته الأخلاقية، متمما لها أمام العدالة، كلما كان شعوره بإنسانيته أقوى، بل وتحقيقه لإنسانيته أعظم. إن الفشل في تحمل المسئولية الأخلاقية مدمر للإنسان نفسه، قبل أن يكون مؤذيا، أو مدمرًا، لمن حوله، ولما حوله. وبما أن الواقع يثبت كل يوم ويؤكد، أننا كبشر قد فشلنا جميعا في تحمل مسئوليتنا الأخلاقية، بل وقد فسدنا وأفسدنا، فقد صرنا نحتاج بشدة لتصحيح وضعنا، أي نحتاج للعدالة لتصححنا. وذلك بأن نتحمل مسئولية كل ما فعلنا، مسئولية كل ما تسببنا فيه من أذى لغيرنا، وللطبيعة من حولنا، بل ولأجسادنا. لقد صرنا نحتاج بشدة أن نبيض صفحاتنا من كل ذنب ارتكبناه، وأن نتحمل بشرف تكلفة كل ما فعلناه لكي نستعيد إنسانيتنا. هنا يتضح هول الموقف، وفراغ حيلتنا، وعجزنا التام عن خلاص نفوسنا واسترداد إنسانيتنا المفقودة. وهنا فقط تبرز قيمة الصليب. ففي الصليب يتوحد المسيح مع الجاني فتصير خطاياه خطايا المسيح!، ويصير جرمه هو جرم المسيح! وقد تم عقابه في المسيح على هذا الجرم بما هو أكبر من أقسى عقاب يعرفه البشر في عالمهم المادي. فألام الصليب الكفارية ليست ألاما مادية، لكنها تلك العقوبة التي تفوق كل عقوبة. إنها العقوبة الشافية، العقوبة كما ينبغي أن تكون، العقوبة التي تستحقها الخطية من وجهة النظر السوية، وجهة النظر الإلهية. لذا في صليب المسيح فقط، يستريح ضمير الجاني ويخرج ممتن القلب مسبحا وقائلا مع بطرس الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر، ١بط٢: ٢٤. ويهتف مع إشعياء وهو يقول عن المسيح المصلوب: “وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل أثامنا …. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا” إش٥٣: ٥-٦.

هذان الجانبان في صليب المسيح، معلنان بقوة في نصوص العهد الجديد، لكنني أعتقد أن رموز العهد القديم تُصورهما بسهولة ويسر. وأكتفي برمزين من هذه الرموز، لكون العهد الجديد نفسه أكد على أن كليهما كانا رمزين للمسيح المصلوب، وهما حمل الفصح، والحية النحاسية. يقول بولس عن الفصح في ١كو٥: ٧، “لأن فصحنا أيضا المسيح قد ذبح لأجلنا”. أما الحية النحاسية، فالمسيح نفسه يقول عنها في يو٣: ١٤، “وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان”. في الفصح نرى عقابا، وفي الحية نرى شفاءًا. في الحالة الأولى كان هناك مهلكا سيجتاز ليقضي في كل أرض مصر، وليضرب كل من لم يحتم ِفي دم الحمل. لكن في الحية النحاسية المرفوعة في البرية، لم يكن هناك مهلك وعقاب، لكن سم يجري في الأبدان يحتاج إلى شفاء. في الرمز الأول نرى، ما يقدمه الله في صليب المسيح لكل جاني، وفي الرمز الثاني نرى، ما يقدمه الله في صليب المسيح لكل ضحية.


وقبل أن استرسل في طرح بعض الأفكار الأخرى من جهة الغفران، أود أن أقول: إن خلاصة النقطتين السابقتين، هي أن الغفران في المسيحية، يتأسس، ويُبنى، ويستمر على العدل، جنبا إلى جنب مع المحبة. وأن المسيحية بنعمتها، ومحبتها، وصليبها، لم تقلل قط من هول الشعور بالخطية، أو الخوف من نتائجها، سواء كان الخطأ في حق الله، أو في حق الأخر. بل على العكس، لقد عمقت المسيحية هذا الشعور أكثر جدا من اليهودية، بمقدار الفرق بين الرمز والحقيقة. كان يتحتم على اليهودي الذي يخطئ في حق أخيه، أن يوفي العدل حقه حتى ولو رمزيا. كان يتكلف نفسيا وماديا، كان عليه أن يذهب للكاهن، ويقر بخطيته، ويعوض الضحية. كذلك يتحتم على المسيحي الأن، أن يدرك كلفة الخطأ وهوله. وكون المسيح مات نيابة عنه، فهذا لا يعني أبدًا، أنه ليس على المسيحي شيء يتحمله، تجاه من أذنب إليه. والعهد الجديد في مواضع كثيرة منه، يؤكد على أن المسيحي الذي يستهين بالخطية، في حق الله، أو في حق الأخر، نتيجة الفهم الخاطئ لمحبة المسيح وعمله ونعمته، يضع نفسه تحت دينونة أعظم. عبرانيين ١٠: ٢٩.

- هل غفران الله للمذنب في المسيحية، يعفيه من طلب الغفران من المذنب إليه؟

من الملفت للنظر أن غفران الله المجاني للجاني في المسيحية، لا يلغي قط احتياج الجاني لطلب الغفران من الضحية. بل على العكس، فطبقا لتعليم المسيح، فإن الثاني يسبق الأول. فقبل أن يطلب الجاني غفران الله، عليه أن يذهب أولا ليصطلح مع أخيه / الضحية وينال غفرانها، مت٥: ٢٤


- هل غفران الإنسان للإنسان مشروط بالتوبة؟

غفران الضحية للجاني، أمر إلهي تتحتم طاعته على كل من نال الغفران الإلهي. لكنه مشروط بتوبة الجاني توبة حقيقية. يقول المسيح:” إن أخطأ إليك أخوك فوبخه وإن تاب فاغفر له“لوقا١٧: ٣. فالله لا يغفر بدون توبة، ولم يطلب منا أن نغفر للمذنب إلينا بدون توبته. نعم علينا أن نكون كأبينا السماوي فنسلك بالمحبة تجاه المذنب إلينا قبل أن يتوب، تلك المحبة التي تسعى لاستتابته وقيادته للانكسار، وللاعتراف والاعتذار والتعويض. تلك المحبة التي تستر لكن لا تتستر، تعاتب لكن لا تفضح، تطالب بالحق لكن لا تنتقم، تظل تسعى في عمل الخير حتى وهي تتوجع، راجيةً أن تنجح أخيًرا في أن تقتاد المذنب للتوبة، وعندئذ فقط تستطيع أن تغفر.

ولوصف هذا السلوك النابع من المحبة تجاه المذنب إلينا يستعمل العهد الجديد لفظة يونانية هي” كاريزوماي“، χαρίζομαι charizomai والتي ترجمت في العربية أكثر من مرة مسامحة، وهي تعني حرفيا نبل الأخلاق الذي يحب ويمنح. هذه الكلمة تختلف عن الكلمة اليونانية” أفيمي“ ἀφίημι aphiémi . والتي تترجم غفران أو مسامحة بمعنى إطلاق المذنب، وحله من الذنب الذي ارتكبه، وبالتالي عودة الشركة بين المذنب والمذنب إليه. الفرق بين الكلمتين واضح في المثل الذي استخدمه المسيح ليشرح لسمعان الفريسي موقفه من المرأة الخاطئة التي أحبت المسيح كثيرا لأنه غُفرت لها خطاياها الكثيرة في لوقا ٧: ٣٦-٥٠. استعمل الرب كلمة كاريزوماي ليصف عطف الديان تجاه عجز المديونين، إذ لم يكن لهما ما يوفيان، فيقول:” وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعا“عدد ٤٢. لكنه استعمل أفيمي عندما قال للمرأة:” مغفورة لك خطاياك“عدد٤٨. المسامحة لا تشترط التوبة، ولا تلزم بالشركة، لكن الغفران مشروط بالتوبة ويستعيد الشركة.


إذًآ، الغفران الحقيقي لا يتجاهل العدل الذي يقر بحق الضحية في اعتراف واعتذار وتعويض الجاني لها. هذه العملية، عملية طويلة لا تنتهي في جلسة، لكنها تحتاج لفكر وحوار وصلاة واتضاع وانكسار. بل وفي كثير من الأحيان تحتاج لوساطة الأحباء. واحدٌ، أو اثنين، أو الكنيسة كلها، لإقناع الجاني بخطيته، وللتأكيد على حتمية توبته، ومن جانب أخر لتشجيع الضحية على أن تسير مسيرة الغفران. متى ١٨: ١٥-١٧


- ماذا لو لم تكن هناك توبة؟


السؤال الذي يطرح نفسه الأن، ماذا لو لم يقتنع الجاني بخطيته، ولم يتب عن شره؟ أو ثبت أن توبته لم تكن حقيقية بل مجرد كلام للاحتفاظ بمقام ما، أو مكاسب معينة، ستزول إذا لم يقل إنه قد أخطأ؟ أو إذا تبرهن أن توبته غير حقيقية لأنه عاد ليخطئ ثانية في حق نفس الضحية أو غيرها؟



أعتقد أنه لا غفران في هذه الحالة، فالغفران مشروط بالتوبة كأمر بديهي. فالله لا يغفر بدون توبة. نعم هو يظهر اللطف والإمهال وطول الأناة ليقتاد الشخص للتوبة، وإذا لم يتب لا يبقى له إلا دينونة الله، رومية٢: ٣-٧. كذلك موقف المسيحي من نحو أخيه الذي يذنب إليه، إذا لم يكن هناك اعتراف بالخطأ وتوبة حقيقية، تبقى المحبة التي تقتاد للتوبة، لكن لا غفران ولا عودة للشركة الأخوية. في هذه الحالة يصير الأخ المذنب عند المذنب إليه كالوثني والعشار! والمقصود هو أن أعلق قناعتي به كأخ لي. فلا أتعامل معه بعد هذا على أنه عضو في جسد المسيح، بل كأي إنسان بعيد عن الله. وبالطبع لا يوجد أي تعليم مسيحي يقول إننا ننتقم من، أو نبغض، أو حتى نخاصم الإنسان البعيد عن الله. بل على العكس على المسيحي أن يحبهم ويصلي من أجلهم إن أساءوا إليه.

وماذا عن الظلم من غير المؤمن؟


عندما يأتي الظلم من جانب الأشرار، لا مجال للاندهاش أو خيبة الأمل أو الإحباط، فهو الأمر المتوقع في عالم ساقط. ورد الفعل المطلوب من المسيحي المظلوم في هذه الحالة، ليس هو ما يتم بحثه هنا في هذا المقال، أي قضية الغفران والتي مجالها هو عائلة الله. لكن في هذه الحالة لنا في تعاليم المسيح، وفي الرسائل، الكثير عن وصايا المحبة والتسامح، والتي ينبغي أن نسلك طبقا لها، تجاه كل من يسيء إلينا، بل والصلاة من أجلهم ليقتادهم الله، من خلال محبتنا وتسامحنا، إلى التوبة، فيمجدون الله في يوم الافتقاد، كما ذكر بطرس في ١بط٢: ١٢. أو يعاقبون بهلاك أبدي إن لم يتوبوا، كما علم الرسول بولس في ٢تس١: ٩.

- هل الغفران يحتم النسيان؟


الغفران فضيلة أخلاقية، بينما النسيان عمل مرتبط بالمخ والذاكرة. فلا أعتقد أنه بمقدور من يغفر أن يمحو من ذاكرته أمرا مؤلما قد حدث له، حتى ولو مرت عليه عشرات السنين. لكن ربما المقصود هو أن تطلق الضحية الجاني وتدعه يمضي حرا، وهذا هو المعنى الحرفي للكلمة اليونانية” أفيمي“والتي تترجم غفران في لغتنا العربية. ولكني أعتقد، أنه في كل مرة تلتقي الضحية بمن غفرت له، ستحتاج إلى قوة روحية لكي تستمر تعيش حالة الغفران. لهذا لا يقول الكتاب المقدس عن الله أنه ينسى خطايانا، فكلي العلم لا ينسى، لكنه يختار بإرادته ألا يذكر إش ٤٣: ٢٥، عب١٠: ١٤-١٨. كذلك نحن نختار بإرادتنا الحرة ألا نذكر بعد أن نغفر.

أخيرا أقول: هناك فرق بين العلاج الحقيقي وبين الاستسهال وإراحة البال. ولأن الأول مكلف للغاية، يلجأ البعض مع الأسف للأخير. فيا للوجع والاستهتار!! ويا للسطحية المخزية، في التعامل مع أعقد مشكلة بشرية، مشكلة الخطية. سطحيةٌ سحقت الضحايا، ولم تساعد الجناة على التوبة الحقيقية.


سيناريو مختلف للتعامل مع الضحية


“جاءتهم مجروحةً تبكي وتشكي وجعها.......

الوجع في قلبي عميق للغاية...

طبعا، لأن ما حدث معك، على حد وصفك له، إنما مؤلم للغاية...

ماذا أفعل؟

لابد ان تلتقي به، وتواجهيه بخطئه في حقك، وتشرحي له بالتفصيل الأثار الناجمة عن هذا الخطأ على حياتك، وكم الوجع الذي سببه لك.

لا أحب المواجهة..

لا أحد منا يحبها، لكنها واجب علينا لا ينبغي أن نتجنبه، ونحتاج أن نتدرب على ممارسته.

وما الفائدة منها؟

الفوائد كثيرة للغاية، روحيا، ونفسيا، وأخلاقيا، وفكريا، وكنسيا،...

كيف؟


روحيا، يتحتم علينا كأولاد الله، وككنيسته، أي كعمود الحق، ومنارة النور، في عالم الظلم والظلمة، أن نقول عن الشر أنه شر، وعن المر أنه مر. هذا جزء أصيل من رسالتنا في هذا العالم، أن ننير كل ظلمة، وأن نعمل مع المسيح لوضع الحق في الأرض. ينبغي علينا ككنيسة أن نسمي الأشياء بأسمائها، وألا نتستر على شر موجود.

روحيا أيضا، يتحتم علينا، كأولاد الله، أن يعاتب الأخ أخاه الذي أخطأ إليه. هذا لكيلا يستمر المخطئ في خطئه، ويتعرض بالتالي لدينونة الله. وربما لا يوجد أحد غيرك يعرف عن هذا الشر الذي ارتكبه، وبالتالي فأنت فقط هي التي يمكنها أن تقول له أنه مذنب.

أخلاقيا، عليك مسئولية أخلاقية تجاه الأخرين الذين قد تعرضوا، أو يتعرضون الأن، أو سيتعرضون في المستقبل، للأذى والضرر من هذا الشخص. لذا يتحتم عليك ان تواجهيه لإنقاذ أخرين من أذاه.

نفسيا، سيخف وجعك بشكل كبير، عندما تناقشي الموضوع معه، وتبيني له خطأه في حقك. هذا لأن المواجهة هي جزء أصيل من سير العدالة نحو هدفها، والذي هو الإنصاف. ولذا فبمجرد المواجهة معه ستشعرين بأن العدل قد بدأ يأخذ مجراه، وهذا سيريحك نفسيا.


نفسيا، وروحيا أيضا، بالمواجهة وتجنب التجنب، ستطورين قدرتك على المواجهة والمطالبة بحقك، وهي فضيلة لازمة لنمو الشخصية وتطورها نحو التمثل بالمسيح.

فكريا، ربما عند مناقشة خطئه بموضوعية معه، قد تكتشفي أن خطأه ليس بالحجم الذي صورته لك مشاعرك. أو ربما تكتشفي أنه كان لك دور في تشجيعه على ارتكاب الخطأ. بل وربما تكتشفي أنك أنت أيضا قد أخطأت إليه! كل هذا سيقودك في النهاية لتصحيح موقفك، ولتقييم صحيح لخطأه.



كنسيا، وجود خطية مسكوت عليها داخل كنيسة ما، يجعل الكنيسة كلها مدانة أمام الله. هذا ما نتعلمه من رسالة كورنثوس الأولى، ولا سيما في أصحاحها الخامس. كما أن المشكلة تصبح أعقد، والبلوى تصير أكبر، إذا كانت الخطية صادرة من أحد القادة. ولذا لا بد من سرعة المواجهة، لكي تتخذ الكنيسة موقفا منه، وبالتالي تبرئ نفسها أمام الله.

لقد اقتنعت، وسأفعل، لكن ماذا لو لم يقتنع بكلامي؟


في هذه الحالة سيأتي واحد منا، أو اثنين، من تختارين أنت، ليذهبا معك، وتعيدي المواجهة معه في حضورهما. وهما سيساعدان كليكما على رؤية الحقيقة، فإذا تبين أنه فعلا قد أخطأ، إما أن يقوداه للتوبة، أو يرفعا الأمر للكنيسة.

أشعر براحة الأن، ومقتنعة بكلامكم، لكني أشعر أيضا بالخوف من ثقل المهمة

لا تخافي، صلي قبل أن تذهبي إليه، واطلبي حضور الرب معك، واخبرينا بالموعد لندعمك بالصلاة، لكي يعطيكِ الرب القوة والحكمة فرابح النفوس حكيم.



هل إذا اعترف واعتذر، سيبرأ جرحي، وينتهي ألمي؟


ليس في الحال، ستحتاجين للوقوف طويلا عند الصليب. هناك ترين حبيبك وقد توحد معك في الظلم والعار الذي لحق بك. وسترين كيف يأخذه عنك ليخلصك منه. وعندئذ ستغفرين لمن ظلمك، بل وستطلبين مع يسوع قائلة يا أبتاه اغفر له.

وهل إذا غفرت له سأنسى كل ما حدث؟

سيظل الأمر في عقلك لكنه سيخرج من قلبك، بمعنى أن الحدث سيبقى بالذاكرة كحدث، لكن لن يكون هناك مرارة في قلبك من جهته. كما أنك ستظلين محتاجة دائما لعمل الروح القدس، لكي يملأ كيانك بالسلام في كل مرة ترينه فيها، لكيلا تعود المرارة من جديد.


د. ماهر صموئيل

يناير 2019
الاسمبريد إلكترونيرسالة