رفعت الأنهار يا رب. رفعت الأنهار صوتها. ترفع الأنهار عجيجها. من أصوات مياه كثيرة، من غمار أمواج البحر، الرب في العُلى أقدر ( مز 93: 3 ، 4)
لقد دخل المرنم إلى حضرة الرب ليشكو له مخاوفه، فلم يضيّع وقتًا في مقدمات كثيرة؛ وهل هناك من داعٍ لمقدمات لحديث سيجري بين ابن مُلتاع وأبيه العطوف؟ .. لقد انفجر صارخًا: «رفعت الأنهار يا رب»، دون أية مقدمات.
هذا هو سكب النفس الحقيقي في أجمل صوره، وهذا هو الفارق بين شخص يصلي وآخر يتلو صلاة. وهذا ما ميَّز حنة عندما صعدت إلى هيكل الرب، أنها لم تكن هناك تتلو صلاة، بل تسكب نفسها لدى الرب، تسكب نفسها لديه دون أية مقدمات، كما عبّرت هي عن هذا لعالي الكاهن، هذا الذي لا يفهم في انسكاب النفس، والذي لم يتعوَّد أن يرى هذا المنظر، لذلك ظنها سكرى، فقالت له: «لا يا سيدي. إني امرأة حزينة الروح، ولم أشرب خمرًا ولا مُسكرًا، بل أسكب نفسي أمام الرب» ( 1صم 1: 15 ).
إنها لم تفعل كالأطفال الذين يسكبون نفوسهم في أحضان أمهاتهم ( مرا 2: 12 ) وماذا عساها أن تفعل الأم المسكينة في زمن الجوع الرهيب؟ .. ولم تخطئ ككاتب مزمور42 والذي سكب نفسه على نفسه، فلم تحتمل نفسه ثقل نفسه بأحزانها فلم تَعُد حزينة فقط، بل أمست منحنية أيضًا.. لكن حنة تصرفت التصرف الصحيح، إذ قد سكبت نفسها وأفرغت كل شحنات أحزانها أمام إلهها.
ولاحظ أن المرنم لم يذكر لله، على وجه التحديد، ما هي تلك الضغوط التي أزعجته كل هذا الانزعاج؛ لقد اكتفى فقط بأن يذكر أثرها على نفسه، دون أن يذكر ماهيتها، هذا الأثر المُخيف الذي عبَّر عنه بالقول: «رفعت الأنهار يا رب رفعت الأنهار صوتها»، لكنه لم يذكر ماذا يقصد بهذه الأنهار. أي أنه لم يذكر لله ما هي تلك التجربة المُرّة التي يعاني منها، ذلك لأنه يعرف جيدًا مَنْ هو إلهه هذا الذي يسكب قلبه قدامه.
لقد دخل، بكل جرأة، ليسكب شكواه أمام إله، هو متيقن، كل اليقين، من أنه: إله يعلم كل ما بداخل نفوسنا قبل أن نحكيه! .. إله قريب ورحيم، يعرف كل ما يضايقنا قبل أن نرويه! .. إله يعلم أدق تفاصيل حياة كل واحد من أولاده، دون أن يُخبره أحد بها! نعم .. ما أروع أن ندخل بكل جرأة إلى أقداسه، لنسكب شكوانا عند أقدامه، متيقنين أنه يعلم كل شيء.
ماهر صموئيل